لا مجال للخطأ أو للسهو والتباطؤ بالنسبة للمارة كلما تعلق الأمر بعبور الطريق الرابطة بين سلا ومدينة القنيطرة، متجهين إلى مقار عملهم و مؤسساتهم التعليمية لقضاء أغراضهم، الخطأ مهما كان بسيطا قد يكلف صاحبه ثمنا غاليا. مواطنون يتحدثون عن مواقف رهيبة عاشوها في ظرف ثوان توزعت حياتهم بين الدارين الدنيا و الآخرة، شابة تدرس بثانوية العقاد التي تقع في الطرف الآخر بحي الرحمة و تضطر إلى عبور الطريق يوميا لا تنكر أنها ولدت من جديد بعد أن باغتها سائق سيارة أجرة تجاوز حافلة حجبت عنها الرؤيا قبل أن تسقط مغمى عنها بمجرد عبورها للطريق، سلمى إبنة 17 سنة من عمرها انقطعت عن الدراسة لأسبوع كامل واحتاجت لفترة أطول لتتخلص من الصدمة، و فكرت في تغيير المؤسسة بعدما خيرت والديها بين الانقطاع و تغيير المؤسسة، لولى تشجيع زميلاتها و أساتذتها لها، همها اليوم بعد الواقعة تنبيه جميع زملائها، الأكثر من ذلك أنها تنشط ناديا للوقاية من حوادث السير بالمؤسسة التي تدرس بها . لايكاد يمر يوم دون أن تنقل الاخبار هنا بسلا، أوهناك بالقنيطرة خبر حادث مروع إن لم يكن أكثر، ويسهم تقلب الفصول وفترات الذروة و بعض المناسبات الخاصة في ارتفاع الحوادث، وجه الاختلاف الوحيد بينها هو درجة الخطورة و طبيعة الخسائر،إلا أن الغالب الأعم لسوء الحظ أن الحوادث التي تقع بهذا المحور لا يمكن وصفها إلا في إطار الخطورة المعتبرة، إذ غالبا ما تنتهي بالموت او بإيقاع إصابات خطيرة كالإعاقات الجزئية أو الكلية في صفوف الركاب، الراجلين، وكذا السائقين، ولا تستثني أحدا حتى المواشي تطالها عدالة الاقدار. يتناقل المواطنون بسلا والقنيطرة بشكل شبه يومي رواية يوميات الحوادث المفجعة التي تحصد أرواح السائقين، الراجلين والركاب الذين تقودهم الأقدار إلى العبور من الطريق الوطنية رقم 1 الشهيرة بطريق القنيطرة، فما أن يلتقط المواطنون أنفاسهم ويمحي النسيان حوادث الأيام الخوالي حتى يستعيد الموت ايقاعه موقعا المزيد من القتلى والجرحى والإعاقات الأبدية والعاهات المستديمة، و التفاصيل الرهيبة لحوادث لا يمحوها النسيان وتخلد الروايات المتواترة فجاعتها بين الناس. على امتداد أكثر من خمسة عشر كيلومترا تمتد من باب الخميس بقلب مدينة سلا إلى مشارف جماعة سيدي الطيبي، يتشكل مسار الموت الذي يتربص بالغافلين و المتهورين منهم، في مسار طرقي يتسع و يضيق، و تتخلله نقاط سوداء لا ينفع الحذرمعها، لتتكرر ذات الحوادث كل صباح و مساء. طريق القنيطرة هكذا تسمى، تقنيا تعرف بالطريق الوطنية رقم واحد الرابطة بين الرباط و طنجة، من باب الخميس بسلا يقف العابرون لها عند خط الانطلاقة مرورا بأقواس سيدي موسى في طريق مزدوج يخترق المدار الحضري الذي يتسم بضغط حركة السير على امتداد اليوم يزيده تراكم السنين وتوسع المدينة تعقيدات شتى على مستوى ابتكار أساليب جديدة للتغلب على التدفق الكبير لوسائل النقل بمختلف أنواعها. يحيل عبور أقواس القنيطرة على الدخول في مسار ترتفع فيه سيولة وسائل النقل من شاحنات نقل البضائع المتوجهة والقادمة من سوق الجملة للخضر والفواكه و كذا القادمة من الضيعات الفلاحية بالقنيطرة و بوقنادل والهوامش، إضافة إلى السيارات الشخصية و حافلات نقل المسافرين، وحافلات النقل الحضري، ويحجز أصحاب العربات المجرورة بالمواشي مكانا لهم بين الجميع، من هنا تبدأ حرب الأعصاب حيث لا مجال للتجاوز، و تنخفض السرعة إلى ما دون المسموح به و يذعن السائقون مكرهين لإيقاع تفرضه طبيعة الطريق، وما علق بالذاكرة من حوادث مأساوية، مما يهون على السائقين القيام بكل ما يعين على اجتياز محك طريق القنيطرة بسلام. يواصل العابر لهذا الطريق مساره مارا بعدد من العلامات و المؤسسات الصناعية التي انتصبت قائمة على جنبات الطريق، ومقاهي منتشرة كالفطر، وعمارات سكنية تحجب ما خلفها، خليط من كل ماذكر ساهم في تحول طريق القنيطرة إلى شريان حيوي يربط بين أحياء لم يكن لها وجود على خريطة التعمير بسلا رأت النور في بحر العشرين سنة الماضية، على أنقاض ضيعات فلاحية يتذكرها سكان المدينة بكثير من الحنين والتحسر. وفي واحد من أكثر النقاط السوداء يرتسم المدار الذي يتفرع عنه طريق الحي الصناعي لحي الرحمة الذي يستقطب جزءا من نشاط الطريق، حيث تقصده شاحنات نقل الألبسة و تموين الحي الصناعي و تأمين عدد من الحاجيات التي لا غنى فيها عن هذا الكم الهائل من الشاحنات التي تتحرك جيئة و ذهابا، غير بعيد عنه يساهم سوق الجملة للخضر و الفواكه بقسط وافر في تدفق عدد من وسائل النقل على هذا المرفق التجاري، ليستمر مسار الطريق بعد ذلك وفيا لكل ما ينغص استعمال الطريق العمومي ويرفع نسبة المخاطر، نتيجة غياب الاشارات الضوئية وعلامات التشوير اللازمة لتنبيه السائقين إلى المحيط الذي يتحركون فيه، حتى ممرات الراجلين وضعت عشوائيا في أماكن، و اختفت حيث يفترض أن تكون. بعد عبور الممر الذي يصل الحي الصناعي بالقنيطرة يدرك كل عابر لهذه الطريق لأول مرة مدى وعورتها مع هذا الكم الهائل من من وسائل النقل التي تعبر الطريق المحاطة بأحياء سكنية على درجة كبيرة من الكثافة، بدءا من المكينسية، سيدي موسى، مرورا بحي الأمل، حي اشماعو، حي الأمل والنهضة و سعيد حجي، ومن الجهة الأخرى الحي الصناعي و حي الرحمة ذو الكثافة العالية. مسار الموت كما هو معروف عند السائقين يمتد لمسافة طويلة نسبيا تمتد من سعيد حجي الى دوار الجزارة بالقرب من معهد الشرطة وتمتد الى مدخل جماعة بوقنادل مرورا بطريق المهدية. عبر هذا الشريط الرابط بين القنيطرة و سلا مئات الأرواح أزهقت هنا، وانتهت حيوات كثيرة قضت بموت مفاجئ أقبر أحلاما كبيرة و شتت شمل عائلات كثيرة، تاريخ الحوادث بهذا المحور الطرقي حافل بحوادث نوعية من حيث الخسائر وطريقة وقوعها، وذلك راجع إلى ضيقها قياسا إلى حجم الإقبال عليها و كثافة حركة السيارات والحافلات والشاحنات . بقدرما يجمع السائقون و الراجلون على خطورة طريق القنيطرة، بقدر ما يختلفون في تبرير أسباب الحوادث بين من يلقي باللوم على السائقين لعدم تقيدهم باحترام قوانين السير و في مقدمتها عدم الإفراط في السرعة والتجاوز غيرالقانوني، وعدم توخي الحذر عند القيادة بهذا المحور، وكذا مراعاة الكثافة العددية للسيارات والشاحنات والحافلات. و بين من يرجع كثرة الحوادث وحجم الخسائر إلى ضيق الطريق التي باتت في حاجة إلى تثنية بعد ارتفاع الضغط عليها رغم وجود الطريق السيار، أو على الأقل توسعتها في بعض الأماكن، و بين من يحمل المسؤولية لرجال الدرك و الشرطة الذين يتغاضون عن بعض التجاوزات التي تهم حمولة بعض الشاحنات و الحافلات، وكذا عدم توقيف بعض السيارات التي توجد في حالة ميكانيكية سيئة. في الجانب المادي لا شك أن العابر لطريق القنيطرة تستوقفه مناظر السيارات المهملة و قد دمرت كليا أو جزئيا كما لو أنها بقايا سيارات مفخخة، إضافة لإطارات بعض الشاحنات رغم مسارعة السلطات المحلية إلى إزالتها من جنبات الطريق، و هي بحق شاهد على ما يمكن أن يلحق الانسان من ضرر، يكفي تأمل الصورة بإمعان للوقوف على فداحة الخسائر. ما يجعل من حوادث طريق القنيطرة مجرد وقائع مأسوف على حدوثها وقوع العديد من الحوادث المماثلة بمناطق مختلفة من المغرب ما يعطي للأمر طابع التعميم الذي يهون كبائر المصائب . في الأسبوع الأول من مارس الماضي لقي ثلاثة أشخاص حتفهم في يوم واحد و تناقل المواطنون بكثير من الآسي خبر وفاة زوجين شابين في مقتبل العمر لم يمض على زواجه أكثر من ثلاثة أشهر،في نفس الأسبوع و في عز الفاجعة رحل رجل تعليم بعدما اصطدمت سيارته بشجرة عندما حاول تفادي الإصطدام بشاحنة تنقل أتربة مشروع سيدي عبدالله، في الجانب الآخر بمدخل سلا وبالتحديد عند سيدي الطيبي ذهب ثلاثة تلاميذ ضحية حوادث سير متفرقة في بحر هاته السنة، وكان عدد ضحايا الموسم الماضي كارثيا بكل المقاييس، عند نقطة التفتيش بوقنادل عند مفترق طريق القنيطرة و شاطىء الأمم و رغم وجود دورية مكثفة لقوات الدرك ليل نهار إلا أن ذلك لم يمنع حدوث العديد من الحوادث الخطيرة، راح ضحية إحداها عميد أمن مؤخرا عندما اصطدمت سيارته بشاحنة تقوم بنقل الأثربة والركام الناجم عن اشغال تهيئة ضفتي نهر ابي رقراق، سيدة مسنة خانتها قواها عندما دهستها شاحنة نقل خفيف نتيجة غياب علامات تخفيف السرعة أو ما شابه ذلك من حواجز و مدارات لتكسير سرعة وسائل النقل. و لأن الحوادث تفرض نفسها يوميا، فهي تغني عن العودة الى أرشيف الإحصاءات للوقوف على حجم الضحايا.
Wednesday, 16 January 2008
يوميات الحوادث المفجعة بطريق الموت
Subscribe to:
Post Comments (Atom)
No comments:
Post a Comment